الجهر بالدَّعوة:
أمر الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن يَصْدع بما جاء به مِن الدّعوة إلى الإسلام، ونبْذ كلِّ المعبودات مِن دون الله.
قال الله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}. قال مجاهد: هو الجهر بالقرآن في الصلاة.وقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود: ((ما زال النبي -صلى الله عليه وسلم- مُستخفياً حتى نزلت: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِالْمُشْرِكِينَ}؛ فجهر هو وأصحابه)).
والصَّدْع: أصله: الإبانة والتّمييز والظهور. والإعراض عنالمشركين: الكفّ عن قتالهم.وأمره الله تعالى: أنْ يبدأ بعشيرته الأقربين: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ}.
موقف قريش مِن دعوته -صلى الله عليه وسلم
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: ((لمّا نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ}، صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- علىالصَّفا فجعل ينادي: يا بني فهر! يا بني عديّ! لبطون قريش، حتى اجتمعوا. فجعل الرجل إذا لمْ يستطع أنْ يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو. فجاء أبو لهب، وقريش. فقال -صلى الله عليه وسلم-: أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلاً بالوادي تريد أن تُغير عليكم؛ أكنتم مصدقيّ؟ قالوا: نعم. ما جرّبنا عليك إلا صدقاً. قال: فإني نذير لكم بين يديْ عذاب شديد. فقال: أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألِهذا جمعْتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}))، صحيح البخاري.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: ((قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أنزل الله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ}، فقال: يا معشر قريش! -أو كلمة نحوها-. اشتروا أنفسكم! لا أغني عنكم مِن الله شيئاًيا بني عبد مناف! لا أُغني عنكم مِن الله شيئاً! يا عباس بن عبد المطلب! لا أُغني عنك مِن الله شيئاً! يا صفيّة عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! لا أُغني عنكِ من الله شيئاً! ويا فاطمة بنت محمد! سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنكِ من الله شيئاً))، صحيح البخاري.
وقفات مع الحديث:
قرّر -صلى الله عليه وسلم- قريش عن صِدقه، فاعترفوا كلّهمبصدقه؛ فهو الأمين الصادق. فلماذا تناقضوا عندما دعاهم إلى الإسلام إلى توحيد الله تعالى، وترْك عبادة الأصنام؟
وفي القصة ذِكره لفاطمة، -وفي بعض طُرقها-: ((يا عائشة بنت أبي بكر! يا حفصة بنت عمر! يا أمّ سلمة!)).
وفاطمة لم تكن في ذلك الوقت في سنّ تخاطَب بمثلها، وكذلك لم تكن عائشة، ولا حفصة، ولا أمّ سلمة مِن زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذلك التاريخ. قال بعض العلماء بتعدّد قصّة الجمْع.
فالأُولى: كانت عندما أمَر الله تعالى بالدعوة جهراً. والثانية:جمعهم بعد ذلك في المدينة، وحضر هذا الجمْع: أبو هريرة، وابن عباس؛ وذلك لما نزل: "ورهطك منهم المخلصين".
قال القرطبي: لعلّ هذه الزيادة كانت قرآناً، ثم نُسخت تلاوتها.
الإنسان ملْك لله تعالى، فإذا أطاعه واتّبع رسوله فقد اشترىنفسه منه، وذلك بتخليصها مِن النار؛ وهذا مأخوذ من قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((اشتروا أنفسَكم مِن الله!)).
المراجع والمصادر



  1. الذهبي: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، دار الكتب العلمية 2006م.
  2. السهيلي: الروض الأنف، تحقيق: مجدي منصور سيد الشورى، دار الكتب العلمية 1997م.
  3. المحب الطبري: الرياض النضرة في مناقب العشرة، دار الكتب العلمية –بيروت 1405هـ.
  4. سيد الناس: عيون الأثر، ابن الشركة العربية للطباعة والنشر 1959م.
  5. محمد بن يوسف الصالحي: سبيل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، مجمع البحوث الإسلامية –القاهرة 1973م.
  6. ناصر الدين الألباني: نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق، المكتب الإسلامي 1952م.
  7. القسطلاني: شرح العلامة الزرقاني على المواهب اللدنية، المطبعة الأزهرية 1910م.
  8. ابن سعد: الطبقات الكبرى، دار صادر للطباعة والنشر 1998م.
  9. عبد السلام هارون: تهذيب سيرة ابن هشام– دار الكتب العلمية – 1996م.
  10. صفي الرحمن المباركفوي: الرحيق المختوم، دار الشرق العربي 2003م.
  11. الأزرقي: تاريخ مكة وما جاء فيها من الآثار، مكتبة خياط 1970م.
  12. الذهبي: سير أعلام النبلاء، دار الكتب العلمية، 2004م.
  13. محمد أبو شهبة: السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة : دار القلم 1996م.
  14. عبد العزيز سالم: تاريخ العرب قبل الإسلام، مؤسسة الثقافة الجامعية 1973م.
  15. الفاسي: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، دار الكتب العلمية 1980م.
  16. -محمد سعيد البوطي: فقه السيرة، دار الفكر، الطبعة العاشرة 2002م. 4