نظام: القضاء، والحسبة، والشرطة
أولًا: نظام القضاء: 
والقضاء: هو الحكم في الخصومات والمنازعات على حسب القانون الشرعي، المأخوذ من الكتاب والسنة، ولم يكن منصب القاضي متميزًا في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه بل كان يقوم به فقهاء الصحابة، ولم يتسموا باسم القاضي، وكان الخليفة أبو بكر يقوم بهذا العملِ بنفسِهِ؛ فيقضي بين الناس في المدينة النبوية، وأحيانًا كان عمر بن الخطاب يقوم بذلك بأمر من الخليفة.
أما في الأمصار الأخرى: فكان الولاةُ على هذه الأمصار هم المسئولون عن القضاء بين الناس. هذا في عهد أبي بكر. 
ولما اتسعت الفتوحات، وانشغل الخليفةُ عمر رضي الله عنه بتدبير شئون الدولة، وتجهيز الجيوش؛ فَوَّضَ هذا العمل إلى من يقومون به، فبعث القضاة إلى الأمصار والأقاليم؛ فوضع لهم نموذجًا يسيرون عليه، وبهذا الإجراء فَصَلَ عمر رضي الله عنه السلطةَ القضائية عن سلطة الولاة، وبذلك يتعزز موقع القاضي ويقوى؛ حيث إنه يرتبط بالخليفة مباشرة. 
ولم يكن تعين القضاةِ مانعًا للخلفاء من النظر في أي: خصومةٍ تعرض عليهم، وقد حدث ذلك من الخلفاء في أوقاتٍ كثيرةٍ، فكأن القضاة كانوا نوابًا للخلفاء، ولم يُعْرَف عن أحد من القضاة في عهد الخلفاء الراشدين ميلٌ إلى الدنيا، واغترار بزخارفها، ويستوي عندهم الشريف والوضيع، والخليفة والرعية، ولم يكن لأمراء الأمصار سلطانٌ على القضاة في قضائهم، وكان تعيينهم من الخليفة مباشرة، وأحيانًا يكتب الخليفة إلى الأمير أن يولي فلانًا قضاء بلده. 
وكان الخلفاءُ الراشدون يستوون مع الرعية في إجراءات التقاضي وإخضاعهم لأحكامِ القضاء، بل إنهم عززوا مكانة القضاة، وطالبوهم بأقصى درجات العدل في المساواة بين الناس حاكمِهِم ومحكومهم.
وكان القاضي في عصر الخلفاء الراشدين يقضي في الخصومات كلها أيًّا كان نوعها، في الحقوق المدنية، والأحوال الشخصية وفي الحدود والقصاص، وسائر ما تقع فيه المنازعات، وليس هناك ما يشير إلى ما يُعرف بالتخصص القضائي، إنما عرف ذلك في عصور تالية زمن الأمويين والعباسيين. 
وكان لا بدَّ من موافقة الخلفاء وأمراء الأمصار على الحكم في قضايا القصاص والحدود على وجه الخصوص، ثم انحصرت الموافقة على تنفيذ حدِّ القتل للخليفة وحده، وبقي للأمراء والولاة حق التصديق على أحكام القصاص دون القتل، وكان بإمكان القاضي حبس المتهم للتأديب، واستيفاء الحقوق، وقد فعل ذلك عمر وعثمان وعلي } فكانت الدولة تهيئ السجون في مراكز المدن، وكان حدُّ القصاص ينفذ خارج المساجد. 
ولم يكن للقضاء مكان مخصص في عهد الراشدين، بل يقضي القاضي في البيت، أو في المسجد، والشائع والكثير أن القضاة كانوا يجلسون في المسجد. 
وقد كان في كل مصرٍ أو إقليم جماعةٌ اشتهروا بالفقه، واستنباط الأحكام، كان القاضي يستعين بهم، ويستفتيهم إذا أُشْكِلَ عليه حكم، وأهم سبب كان يدعوهم إلى ذلك أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن مجموعةً في كتاب، بل كانت محفوظةً في صدور الناس، يحفظ أحدهم قدرًا منها، ويحفظ الآخر قدرًا، وقد يحفظ بعضهم ما لا يحفظه غيره؛ فربما عرضت للقاضي مسألةٌ، فلا يكون عنده فيها نصٌّ من حديث، ويكون هذا الحديث عند غيره من الفقهاء؛ وبذلك كان القضاة يسألونهم، هل عندكم شيء في هذا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
ومن ثم لم تكن الأقضيةُ تسجل في سجلات؛ لسهولة حفظها ولم تكن تجمع في كتاب خاص يرجع إليه من يأتي بعده من القضاة، وإنما حدث ذلك في أزمنةٍ لاحقةٍ بعد عصر الراشدين. 
وكان القضاة في عصر الخلفاء الراشدين يأخذون راتبًا من الدولة في مقابل الانقطاع لهذا العمل، ومن الأمثلة على ذلك: سلمان بن ربيعة الباهلي قاضي الكوفة كان راتبُهُ خمسمائة درهم كل شهر، وكان شريح القاضي على الكوفة يأخذ مائة درهم شهريًّا، وكان عثمان بن قيس بن أبي العاص القاضي على مصر يأخذ راتبًا يبلغ مائتي دينار. 
ثانيًا: نظام الحسبة:
الحسبة وظيفة دينية شبه قضائية وتقوم على فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ للمحافظة على القيم الإسلامية ومنع الانحراف، ولضبط سلوك الناس في الطرقات وفي الأسواق، وقد ظهرت الرقابة على الأسواق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لمنع وقوع الغش في البضائع، والسلع التجارية، وباشر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بنفسه، وعَيَّنَ من الصحابة من يقوم بهذا العمل؛ فكلف عمر بن الخطاب بالإشراف على سوق المدينة. 
ولا شك أن هذه الرقابة استمرت في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه لكن التوسع الكبير في التجارة وتنظيم الأسواق أدى إلى الحاجة للرقابة الشاملة على الأسواق وكثيرًا ما كان عمر بن الخطاب يتجول بنفسه في الأسواق، ويطلع على أساليب التعامل، ويمنع المخالفات الشرعية كالغش، والاحتكار وبيع المحرمات.
ومن الأمثلة على ذلك: أن عمر رضي الله عنه اطَّلَعَ على بيت رجلٍ اسمه رويشد الثقفي، وكان في هذا البيت حانوت -يعني: دكان- لبيع الخمر؛ فأمر عمر بإحراقه فَأُحْرِق. 
وفي عهد عثمان رضي الله عنه ظهر في المدينة بعض المنكرات البسيطة حين فاضت الأموال على الناس، مثل: الرمي على الجلاهقات، وهي البندق الذي يرمى به الطير؛ فاستعمل عثمان على المدينة رجلًا من بني ليث ليقوم بمهمة المحتسب ويمنع هذه المخالفات. 
وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحرص على تَفَقُّدِ أحوال المتعاملين في السوق، ويحملهم على التعاملِ بالشرع الحنيف، وكان شديدَ العناية بالحسبة، ويباشر ذلك بنفسه، فعن الحُرِّ بن جرموذ المرادي عن أبيه قال: "رأيت علي بن أبي طالب يخرج من القصر، يعني: من بيت الإمارة، ومعه الدرة يمشي في الأسواق، ويأمرهم بتقوى الله، وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان". 
وقد تطور نظام الحسبة بعد عصر الراشدين حينما عجز الخلفاء عن القيامِ بعملِ المحتسب بأنفسهم؛ لانشغالهم بمهام كثيرة، وخصصوا لهذا العمل من يقوم به، وأصبح نظامُ الحسبة ووظيفة المحتسب من أهم النظم الإسلامية التي تعمل على توفيرِ الأمنِ، وسلامة المجتمع، وتطهيره من المفاسد.
ثالثًا: نظام الشرطة:
فقد ظهر منذ خلافة عمر بن الخطاب لحراسة بيت المال والسجن، والإتيان بالخصوم إلى القاضي، وتنفيذ أحكام القضاة في المجرمين، وكان الشرطي الذي يعمل بين يدي القاضي يعرف بـ"الجلواذ"، وقد استخدمت الدولة أقوامًا داخلين في الإسلام في خلافة عثمان وعلي { وأدخلتهم إلى جهاز الشرطة، مثل: السيابجة، وهم من الفرس أصلًا، ومن الذين تولوا منصب صاحب الشرطة في عهد علي بن أبي طالب: قيس بن سعد بن عبادة وأبوه سعد من الأنصار، ومالك بن حبيب اليربوعي وغيرهما. 
وكان من ضمن الوظيفة الاجتماعية للشرطة بالإضافة إلى المحافظة على الأمنِ: مساعدةُ المحتاجين، وإغاثة الملهوفين وإرشاد التائهين، وتقديم العون، وإظهار الرفق، وغير ذلك من المساعدات الإنسانية التي يُراد بها وجه الله تعالى.