ثورة عبد الله بن الزبير: 
1. التعريف به، وذكر شيء من فضائله:
هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق وعنها-، وكانت تلقب بذات النطاقين، ولد عبد الله في العام الأول من الهجرة، وهو أول مولود للمسلمين في المدينة وكانت سعادتهم به عظيمة؛ لأن اليهود في المدينة أشاعوا أنهم سحروا المسلمين فلن يولد لهم ولد.
ونشأ عبد الله نشأة إسلامية خالصة في بيئة طيبة طاهرة، معطرة بعبق النبوة، فأبوه هو الزبير حواري رسول الله وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وأبو بكر الصديق هو جد عبد الله بن الزبير فهو أبو أمه أسماء، وعائشة أم المؤمنين خالته، وكانت تكنى به ويقال لها: يا أم عبد الله؛ لأنها لم تنجب ولدًا من رسول الله.
ويعد عبد الله بن الزبير من الصحابة؛ لأنه عاش نحو عشر سنوات في حياة النبي ، وكان شجاعًا ذكي الفؤاد معتدًّا بنفسه ذا طموح كبير، شارك في الفتوحات وهو حدث صغير، فحضر معركة اليرموك سنة ثلاث عشر من الهجرة، وكان حينئذ في سن العاشرة، واشترك في فتح شمال أفريقيا في خلافة عثمان بن عفان سنة سبعة وعشرين من الهجرة.
ولما حوصر عثمان في داره يوم استشهاده سنة خمسة وثلاثين كان عبد الله بن الزبير من المدافعين عنه، كما أنه شهد موقعة الجمل سنة ستة وثلاثين مع أبيه الزبير وطلحة بن عبيد الله وخالته السيدة عائشة }.
وكان عبد الله بن الزبير من بين الذين اختارهم عثمان لكتابة المصحف الشريف؛ بهدف جمع الناس على مصحف واحد، ويعد هذا من فضائل ابن الزبير، ومن فضائله كذلك أنه كان عالمًا فقيهًا عابدًا وقورًا، كثير العبادة من صلاة وصيام وذكر وخشوع، حتى قال فيه عثمان بن طلحة: "كان ابن الزبير لا ينازَع في ثلاثة: شجاعة، وعبادة، وبلاغة".
ووصفه ابن عباس بقوله: "كان قارئًا لكتاب الله، عفيفًا في الإسلام، متبعًا لسنة رسول الله قانتًا لله".
ولما تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة سنة واحد وأربعين استمال إليه عبد الله بن الزبير، وأحسن إليه كما أحسن إلى غيره من الصحابة وأبنائهم، فقابل ذلك ابن الزبير بحسن الطاعة لمعاوية، بل وشارك في الغزو تحت قيادة ابنه يزيد في أول حملة عسكرية، توجهت لفتح مدينة القسطنطينية سنة تسعة وأربعين.
وظلت علاقة عبد الله بن الزبير بمعاوية على أحسن حال، إلى أن أخذ البيعة لابنه يزيد، فأظهر عبد الله معارضته الشديدة لذلك، وبعد وفاة معاوية رفض عبد الله بن الزبير أن يبايع يزيد بن معاوية، وانتقل إلى مكة المكرمة وسمى نفسه العائذ بالبيت، لكنه لم يعلن عن رغبته في الخلافة لوجود الحسين بن علي، فلما استشهد الحسين في كربلاء سنة واحد وستين -كما ذكرنا وفصلنا- وتوفي الخليفة يزيد بن معاوية بعد ذلك سنة أربعة وستين، أعلن عبد الله بن الزبير نفسه خليفة في مكة.
2إعلان ابن الزبير نفسه خليفة بعد موت يزيد بن معاوية سنة أربعة وستين:
لما سادت الفوضى الدولة الأموية بعد موت الخليفة يزيد بن معاوية، ورفض ابنه معاوية الثاني قبول الخلافة، تلفت الناس حولهم فلم يجدوا أفضل من عبد الله بن الزبير، فبايعوه بالخلافة واتسعت دولته حتى شملت معظم أنحاء الأقاليم الإسلامية آنذاك، فدخلت في طاعته ودولته الجديدة الكوفة والبصرة وكلاهما من العراق بل والعراق كله، ومصر وخراسان والشام وهي معقل الأمويين، ولم يبق من الشام سوى الأردن ظل على ولائه لبني أمية.
3مروان بن الحكم يقاتل عبد الله بن الزبير:
ذكرنا من قبل أثناء حديثنا عن عهد مروان بن الحكم أن الأمويين استطاعوا أن يوحدوا كلمتهم وبايعوا مروان بالخلافة سنة أربع وستين، فبدأ عهده بالقضاء على أنصار عبد الله بن الزبير في الشام، في معركة مرج راهط الشهيرة في العام نفسه، وتقع شرقي مدينة دمشق، ثم زحف بجيوشه إلى مصر فاستردها بسهولة من أنصار الزبيريين، ثم عاد إلى دمشق وتوفي بها سنة خمسة وستين، بعد أن قضى عشرة أشهر فقط خليفة، وتولى ابنه عبد الملك الخلافة، وواصل محاربة عبد الله بن الزبير.
4ابن الزبير وعبد الملك بن مروان واستمرار الصراع:
كانت الشام ومصر تحت سلطان عبد الملك، في حين بقيت الحجاز والعراق تحت سيطرة عبد الله بن الزبير، وفي أثناء ذلك ظهرت دعوة المختار بن أبي عبيد الثقفي التي اجتذبت الشيعة وانضموا تحت لوائه، وازداد نفوذه بالعراق بعد أن هزم جيشًا أرسله عبد الملك بن مروان بقيادة عبيد الله بن زياد، في معركة الخازر سنة سبعة وستين، وقد تكلمنا عن هذه المعركة.
وبعد تلك الهزيمة توقف عبد الملك بن مروان مؤقتًا عن فكرة استعادة العراق؛ لعلمه أن عبد الله بن الزبير لن يترك المختار بن أبي عبيد الثقفي يستبد بالعراق، وأن الصدام بينهما لا مفر منه، فآثر عبد الملك الانتظار حتى يفرغ أحد الطرفين من الآخر، فيقابله عبد الملك وهو منهوك القوى، فيضمن لنفسه الظفر والفوز.
وهذا ما كان، فاصطدم مصعب بن الزبير بالمختار الثقفي وقضى على ثورته وحركته، سنة سبعة وستين من الهجرة، واستعاد مصعب نفوذ أخيه في العراق.
5. سيطرة عبد الملك بن مروان على العراق:
لقد عزم عبد الملك على استعادة العراق التابعة لدولة عبد الله بن الزبير، فخرج إليها بنفسه سنة واحد وسبعين، بعد أن اطمأن إلى تثبيت أركان دولته وتوطيد حكمه، وأعد جيشًا عظيمًا لهذا اللقاء الفاصل، وحين علم مصعب بن الزبير أمير العراق لأخيه عبد الله بهذه التحركات استعد لمواجهة عبد الملك بن مروان.
وقبل اللقاء الفاصل بينهما أخذ عبد الملك يكاتب زعماء أهل العراق، ويعدهم ويمنيهم بالمال، فاستجابوا له وانضموا إليه وتخلوا عن مصعب في أدق المواقف وأصعبها، فانهزم مصعب في المعركة التي دارت بين الفريقين، عند مكان يسمى "دير الجاثْلِيق"، وذلك في جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين من الهجرة، وقتل مصعب في هذا اللقاء بعد أن بذل ما يمكنه من الشجاعة والبسالة.
وبعد انتهاء تلك المعركة دخل عبد الملك الكوفة وبايعه أهلها، ودخلت العراق كله تحت سيطرته، وعين أخاه بشر بن مروان واليًا عليها.