نسب بني أمية:
عرفنا من قبل أن الحسن بن علي بن أبي طالب { تنازل عن الخلافةِ لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وبايعه هو وأخوه الحسين، وتبعَهُم الناسُ في ذلك بمدينة الكوفة، وأصبح معاوية بذلك خليفةً للمسلمين وحده، ولُقِّبَ بأمير المؤمنين، وكان قبل ذلك يلقب بالأمير فقط. وبهذا قامت الخلافة الأموية رسميًّا في شهر ربيع الأول من العام الواحد والأربعين من هجرة سيد النبيين صلى الله عليه وسلم.
وقد استبشر المسلمين خيرًا، وحمِدُوا الله تعالى على انتهاء الفتن والحروب، وسموا ذلك العام "عام الجماعة"؛ حيث عادت إلى الأمة الإسلامية وحدتها، واجتمع شملها على خليفةٍ واحد بعد الاختلاف والنزاع والفرقة.
وتنتسب الأسرة الأموية في الأصل إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، وفي عبد مناف يلتقي بنو أمية مع بني هاشم بن عبد مناف بن قصي؛ وعلى ذلك فإن هاشمًا هو عم أمية، وإلى بني هاشم ينتسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.
وقد كان عبد شمس أكبر أبناء عبد مناف، وكان تاجرًا من ساداتِ قريشٍ يتولى قيادة الحرب، وكان حريصًا على حُرْمَةِ الكعبة، وأنجب أولادًا كثيرين من أبرزهم: أمية الأكبر بن عبد شمس، ومن أمية هذا ينحدر معظمُ نسل بني أمية، وكان أمية سيدًا من سادات قريش مثل أبيه، ويعادل في الشرف والرفعة عمه هاشم بن عبد مناف. كانا يتنافسان رئاسةَ قريش، هذا في الجاهلية، ولعل أبرز ما كان يميز أمية بن عبد شمس كثرة الأولاد؛ فقد أعقب عشرةً من الأولاد الذكور كلهم سادة وشرف، وإلى اثنين من أولاده هؤلاء تنتهي الفروع الأموية التي كانت فيه الشهرة والخلافة، وهما: حرب بن أمية، وأبو العاص بن أمية.
أما حرب بن أمية: فقد ورثَ شرفَ أبيهِ أميةَ، وكان رئيسًا لقريش بعد عبد المطلب بن هاشم، وكان من حُكَّامِهَا، أي: الذي يلجأ إليهم أصحاب الخصومات للحكم بينهم فيها لراجحة رأيه.
وقيل: إن حربًا هذا من المعدودين في بلغاء قريش وفصحائها، وإنه أول من استعمل الكتابة العربية في مكة، ومن أوائل من أنكروا شرب الخمر، وعرف عنه الكرم، وكان حرب بن أمية قائدًا لبني أمية، وأحلافها في حرب الفجار الرابع التي وقعت بين قريش ومن معها من كنانة في ناحية، وقيس عيلان وثقيف، وأحلافها من ناحيةٍ أخرى، وكان ذلك في أواخر القرن السادس الميلادي، وهي الحرب التي شهِدَهَا النبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم مع عمومته، وهو في سِنِّ العشرين من عمره، وقد تحمل حرب بن أمية الديات في ذلك اليوم من مالِهِ الخاص؛ حينما دعا الناس إلى الصلح بعد أن كثر فيهم القتل، وإذا كانت قريشٌ كلها قد شاركت في هذه الحرب فإن بروز دور الأسرة الأموية زاد من مكانةِ هذه الأسرة، وجعلها نِدًّا للأسر الأخرى وأهمها بنو هاشم.
ومن أبناء حرب بن أمية الذين ناولوا الشرفَ والمكانةَ العالية في الجاهلية: أبو سفيان، واسمه في الأصل صخر، كان أبو سفيان من أشراف قريش ذا حلمٍ ورأيٍ ودهاءٍ، وكان يقود المشركين في الحرب ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فقد قاد المشركين في غزوتي أحد والأحزاب، ولم يسلم إلا عام فتح مكة، وهو العام الثامن من الهجرة.
وتألفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه في ذلك اليوم ما لم يعطِ أحدًا غيره حين قال صلى الله عليه وسلم: ((من دَخَلَ دارَ أَبِي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن ألقى السلاحَ فهو آمن)).
وقد شَهِدَ أبو سفيان بن حرب بن أمية غزوتي حنين والطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مائةَ بعير، وأربعين أوقية، وأعطى مثل ذلك لابنه يزيد بن أبي سفيان، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان عاملًا عَلَى نجران، كما عَيَّنَهُ أبو بكر الصديق رضي الله عنه على الصدقات في اليمن.
واشترك في معركة اليرموك بالشام سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وهي المعركة التي انتصر فيها المسلمون على الروم، وفقأت عينه رضي الله عنه وكانت وفاته بالمدينة النبوية زمن خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنةَ واحدٍ وثلاثين من الهجرة، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين، وقد اقترب عمره من سبعين سنة.
ولأبي سفيان أولادٌ كثيرون؛ منهم من مات على الشرك، مثل حنظلة بن أبي سفيان قُتِلَ يومَ بدر، ومنهم من أسلم كَأمِّ المؤمنين أم حبيبة، رملة بنت أبي سفيان < وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم توفيت سنة أربع وأربعين من الهجرة، وأخيه يزيد بن أبي سفيان، أسلم عام الفتح، وحضر غزوة حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وولَّاهُ أبو بكر الصديق رضي الله عنه على أحد الجيوش الأربعة التي توجهت لفتح بلاد الشام، وولاه عمر رضي الله عنه أميرًا على الشام وكان أولَ من وليها من المسلمين، ثم توفي يزيد في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة من الهجرة.
ومن أبناءِ أبي سفيان أيضًا: معاوية رضي الله عنه وهو خال المؤمنين كما لقب بذلك، ومن كتبة الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أسلم في عام عمرة القضاء، يعني: في العام السابع من الهجرة، ثم أظهر إسلامه عام الفتح، وهو العام الثامن، وشهد معركة اليمامة في عام اثنتي عشرة من الهجرة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، واشترك معاويةُ في قتل مسيلمة الكذاب كما قيل.
ولم يزل معاوية مع أخيه يزيد بالشام في خلافة عمر رضي الله عنه حتى توفي يزيد؛ فولى عمر معاوية مكانه أميرًا على الشام واستمر معاوية واليًا عليها مدة خلافة عثمان رضي الله عنه أي من سنة ثلاث وعشرين إلى سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ثم وقع الخلاف بين معاوية رضي الله عنه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بشأن إقامة حد القصاص على قتلة عثمان رضي الله عنه واستمر هذا الخلاف إلى أن قُتِلَ علي رضي الله عنه بأيدي الخوارج، وتولى ابنه الحسن رضي الله عنه الخلافة، ثم تنازل الحسن عنها لمعاوية سنة واحد وأربعين من الهجرة.
وكان لمعاويةَ أولادٌ بنين وبنات، منهم: يزيد بن معاوية الذي تولى الخلافة بعهدٍ من أبيه سنة ستين من الهجرة، واستمر خليفةً مدة أربع سنين، وتوفي في ربيع الأول سنة أربع وستين، وسيأتي مزيدٌ من التعريف به إن شاء الله.
ومن أولاد يزيد بن معاوية: معاوية بن يزيد، ويقال له: معاوية الثاني، تولى الخلافةَ بعد أبيه يزيد مدة أربعين يومًا فقط، وقيل: مدة شهرين، وقيل: غير ذلك، ثم مات عن إحدى وعشرين سنة، ولم يعهد لأحد بعده بالخلافة، وهؤلاء الثلاثة -معاويةُ بن أبي سفيان رضي الله عنه وابنه يزيد، ومعاوية بن يزيد- يمثلونَ الفرعَ السفياني من الخلفاء الأمويين.
وبعد معاوية الثاني انتقلت الخلافة الأموية إلى فرع آخر أموي إلى الفرع المرواني؛ حيث اجتمع بنو أمية على تولية مروان بن الحكم بن أبي العاص بن حرب بن أمية بن عبد شمس الخلافة، بعد أن كادت تخرج تمامًا من الأسرة الأموية إلى عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وإخوته.
ومروان هذا هو جدُّ الخلفاء الأمويين، الذين جاءوا من نسل أولاده الثلاثة: عبد الملك بن مروان، وعبد العزيز بن مروان، ومحمد بن مروان، وقد تولى عبد الملك الخلافة سنة خمس وستين إلى سنة ست وثمانين، ثم تولاها ابنه الوليد بن عبد الملك من سنة ست وثمانين إلى ست وتسعين، ثم سليمان بن عبد الملك من سنة ست وتسعين إلى تسع وتسعين، وبعده تولاها عمر بن عبد العزيز بن مروان من سنة تسع وتسعين إلى سنة مائة وواحد، ثم يزيد بن عبد الملك من مائةٍ وواحد إلى سنة مائة وخمس، ثم تولاها هشام بن عبد الملك من سنة مائة وخمس إلى سنة مائة وخمس وعشرين.
وبعده جاء الوليد بن يزيد بن عبد الملك من سنة مائة وخمس وعشرين إلى مائة وست وعشرين، ثم يزيد بن الوليد بن عبد الملك تولاها أشهرًا، ثم إبراهيم بن الوليد لم تطل مدة خلافته، وأخيرًا مروان بن محمد بن مروان بن الحكم من سنة مائة وسبع وعشرين إلى مائة واثنتين وثلاثين، وهو آخر الخلفاء الأمويين.
ملاحظات:
الملاحظة الأولى: كان عدد الخلفاء الأمويين أربعة عشر خليفةً؛ ثلاثة من الفرع السفياني، وأحد عشر من الفرع المرواني. ومن الباحثين من يرى: أن عدد الخلفاء الأمويين اثني عشر خليفة فقط؛ حيث كان عبد الله بن الزبير متغلبًا على أقاليم واسعة من الدولة الإسلامية في الحجاز، وفي اليمن، والعراق، وخراسان من سنة أربع وستين إلى سنة ثلاث وسبعين، وفي هذا الأثناء لا يعتبر البعض فترة معاوية الثاني، ومروان بن الحكم، وجزءً من حكم عبد الملك بن مروان خلافةً أموية.
الملاحظة الثانية: كانت مدة الخلافة الأموية واحدًا وتسعين سنة وتسعة أشهر، تبدأ من الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة واحدٍ وأربعين، وهو اليومُ الذي بُويِعَ فِيهِ معاوية بالخلافة وتنتهي بمقتلِ آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد على أيدي العباسيين لثلاث بقينَ من شهر ذي الحجة سنة مائة واثنتين وثلاثين من الهجرة.
الملاحظة الثالثة: كانت مدةُ أربعة من الخلفاء الأمويين فقط سبعين سنة، وهم: معاوية بن أبي سفيان الخليفة الأول، وعبد الملك بن مروان الخليفة الخامس، والوليد بن عبد الملك الخليفة السادس، وهشام بن عبد الملك الخليفة العاشر. وبقية الخلفاء كانت مدة خلافتهم مجتمعه إحدى وعشرين سنة فقط.