(34) الأفضل في حق من وجد لقطة وأقسام ما أبيح التقاطه ولم يملك وما يلزم الملتقط وصفة النداء على اللقطة ووقته ومكانه وحكم تأخير التعريف
والمسنون في حق آخذها وحكم لقطة الحرم
س34: هل الأفضل أخذ اللقطة أم تركها؟ وما الحكم فيما إذا أخذها ثم ردها أو فرط فيها؟ وما الذي ينتفع به ولا يعرف؟ وبأي شيء يملك القن الصغير؟ وكم أقسام ما أبيح التقاطه ولم يملك به؟ وما الذي يلزم الملتقط نحوه؟ وهل يرجع بما أنفق عليه؟ ومن أين مؤنته؟ وما طريقة النداء على اللقطة؟ وما وقته؟ وأين مكانه؟ وإذا كانت ملتقطة في برية فما الحكم؟ وعلى من أجرة المنادي؟ وإذا أخر التعريف فما الحكم؟ وهل الخوف عذر في تأخير التعريف؟ وما حكم لقطة الحرم؟ وفيما إذا وجدت بدار حرب، أو ضاعت، أو كان الملتقط غنيًا، أو ضاعت من واجدها، وما الدليل على ذلك؟ واذكر الخلاف والترجيح.
ج: الأفضل لمن أمن نفسه على اللقطة وقوي على تعريفها تركها وعدم التعرض لها، قال أحمد: الأفضل ترك الالتقاط، وروي معناه عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهما - : ولو وجدها بمضيعة، قاله في «المطلع»؛ لأن في الإلتقاط تعريضًا بنفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب من تعريفها وأداء الأمانة فيها فترك ذلك أولى وأسلم.
قال ناظم «المفردات»:

وعندنا الأفضل ترك اللقطة ... وإن يخف عاد عليها شططه

وقال أبو حنيفة والشافعي: الإلتقاط أفضل؛ لأن من الواجب على المسلم حفظ مال أخيه، وقال مالك: كما قال أحمد الترك أفضل؛ لخبر: «ضالة المؤمن حرق النار».


وقيل: واجب، وتأولوا الحديث على من أراد الانتفاع بها من أول الأمر قبل التعريف، والمراد ما عدا لقطة الحاج، فأجمعوا على أنه لا يجوز التقاطها، بل تترك مكانها لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
والذي تميل إليه النفس قول أبي حنيفة والشافعي وهو أن الأفضل الإلتقاط لما ذكر، ولقوله تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } والله سبحانه وتعالى أعلم.
والأفضل مع وجود ربها عكسه وهو أن يتجنبها ولا يأخذها مع وجود ربها، قال في «المبدع»: وعند أبي الخطاب إن وجدها بمضيعة وأمن نفسه عليها فالأفضل أخذها لما فيه من الحفظ المطلوب شرعًا كتخليصه من الغرق ولا يجب أخذه؛ لأنه أمانة كالوديعة وخرج وجوبه إذًا؛ لأن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، انتهى، والمذهب الأول والقول الثاني هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن أخذ اللقطة ثم ردها بلا إذن الإمام أو نائبه إلى موضعها حرم وضمنها، وكذا لو فرط فيها وتلفت حرم وضمنها؛ لأنها أمانة حصلت في يده فلزمه حفظها كسائر الأمانات وتركها والتفريط فيها تضييع لها، وقال مالك: لا ضمان على من أخذها ثم ردها إلى موضعها؛ لأنه روي عن عمر أنه قال لرجل وجد بعيرًا: «أرسله حيث وجدته» رواه الأثرم، ولما روي عن جرير بن عبد الله أنه رأى في بقرة بقرة قد لحقت بها فأمر بها فطردت حتى توارت، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، وحديث عمر في الضالة التي لا يحل أخذها، فإذا أخذها احتمل أن له ردها إلى مكانها ولا ضمان عليه لهذه الآثار، ولأنه ك ان واجبًا عليه تركها ابتداء فكان له ذلك بعد أخذه، وحديث جرير لا حجة فيه؛ لأنه لم يأخذ البقرة ولا أخذها غلامه، إنما لحقت بالبقر من غير فعله ولا اختياره ولذلك يلزمه ضمانًا

إذا فرط فيها؛ لأنها أمانة، والله أعلم.
وإن ردها بأمر الإمام أو نائبه بذلك فإنه لا يضمن بلا نزاع؛ لأن للإمام نظرًا في المال الذي لا يعلم مالكه، وكذا لو التقطها ودفعها للإمام أو نائبه ولو كان مما لا يجوز التقاطه، وينتفع بمباح من كلاب ولا تعرف.
ويملك قن صغير بتعريف كسائر الأموال والأثمان صححه في «الإنصاف»، وجزم به في «الرعاية» و«الوجيز»، قال الحارثي: وصغار الرقيق مطلقًا يجوز التقاطه ذكره القاضي واقتصر على ذلك.
وقيل: يجوز التقاط القن الصغير ذكرًا كان أو أنثى ولا يملك بالالتقاط، انتهى. والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فإن التقط صغيرًا وجهل رقه وحريته فهو حر لقيط، قال الموفق: لأن اللقيط محكوم على حريته؛ لأن الأصل على ما يأتي في اللقيط.
وما أبيح التقاطه ولم يملك به وهو القسم الثالث من أقسام اللقطة ثلاثة أقسام، الأول: الحيوان المأكول كالفصيل والشاة والدجاجة ونحوها فيلزم الملتقط نحو هذا فعل الأصح أما أكله بقيمته في الحال؛ لما في الحديث من قوله - صلى الله عليه وسلم - حين سُئل عن لقطة الشاة: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» فجعلها له في الحال؛ لأنه سوَّى بينه وبين الذئب، والذئب لا يتأنى بأكلها، ولأن في كل الحيوان في الحال إغناء عن الإنفاق عليه وحراسة لماليته على صاحبه إذا جاء.
قال ناظم «المفردات»:

والشاة في الحال ولو في المصر ... تملك بالضمان إن لم يبر

وقال مالك وأبو عبيد وابن المنذر وأصحاب الشافعي: ليس له أكلها في المصر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» ولا يكون

الذئب في المصر، ولأنه يمكنه بيعها بخلاف الصحراء، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومتى أراد أكله حفظ صفته فمتى جاء صاحبه فوصفه غرم له قيمته بكمالها، وإن شاء الملتقط لهذا القسم باع الحيوان وحفظ ثمنه؛ لأنه إذا جاز أكله فبيعه أولى وللملتقط أن يتولى ذلك بنفسه ولا يحتاج إلى إذن الإمام في أكله أو بيعه.
وإن شاء حفظ الحيوان وأنفق عليه من ماله؛ لما في ذلك من حفظه على مالكه، فإن تركه بلا إنفاق عليه فتلف ضمنه؛ لأنه مفرط.
وليس للملتقط أن يتملك الحيوان ولو بثمن المثل كولي اليتيم.
ويرجع الملتقط بما أنفق على الحيوان ما لم يتعد بأن التقطه لا ليعرفه أو بنية تملكه في الحال.
ويرجع إن نوى الرجوع بما أنفق على مالك الحيوان إن وجده كالوديعة قضى به عمر بن عبد العزيز.
فإن استوت الأمور الثلاثة بأن لم يترجح عنده الأحظ منها خير؛ لأنها كلها جائزة ولعدم ظهور الأحظ.
القسم الثاني: ما التقط مما يخشى فساده بتبقيته كالبطيخ والطماطم والعنب والموز والرمان والتفاح والبرتقال والمشمش وسائر الخضروات والفاكهة فيلزم الملتقط فعل الأحظ، أما أن يبيعه بقيمته ويحفظ ثمنه بلا إذن حاكم وإن شاء أكله بقيمته قياسًا على الشاة؛ لأن في كل منها حفظًا لماليته على مالكه ويحفظ صفاته في المسألتين.
ومتى جاء صاحبه فوصفه دفع له ثمنه أو قيمته.
وإن شاء جفف ما يجفف كعنب وتمر ونحوهما؛ لأن ذلك أمانة

في يده وفعل الأحظ في الأمانات متعين.
وإن احتاج في تجفيفه إلى مؤنة فمؤنته منه فيباع بعضه لتجفيفه؛ لأنه من مصلحته فإن أنفق من ماله رجع، وقيل: ليس له الرجوع.
والذي تميل إليه النفس أنه إن كان بإذن حاكم أو أنفق غير متطوع بالنفقة أن له الرجوع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال في «التيسير نظم التحرير»:

وثالث الأنواع ما منه فسد ... نحو الطعام فليخير من وجد
في أكله بقيمة لربه ... أو بيعه وحفظ اشترى به

وقال العمريطي:

وقسمت لأربعة أقسام ... أولها يبقى على الدوام
من النقود والثياب والورق ... ونحوها فالحكم فيه ما سبق
والثاني لا يبقى على الدوام ... بحالة كالرطب من طعام
فإن يشا فالأكل مع غرم البدل ... أو بيعها مع حفظ ما منه حصل
ثالثها يبقى ولكن مع تعب ... كالتمر في تجفيفه وكالعنب
فبيعه رطبًا أو التجفيف ... وبعد ذاك يلزم التعريف
رابعها ما احتاج ما لا يصرف ... كالحيوان مطلقًا إذ يعلف
فأخذه يجوز بالتخيير ... للشخص في ثلاثة الأمور
أكل وبيع ثم حفظ للثمن ... والترك لكن أن يسامح بالمون

القسم الثالث: باقي المال وهو ما عدا القسمين المذكورين من المال كالأثمان والمتاع ونحوهما ويلزم الملتقط حفظ الجميع من حيوان وغيره؛ لأنه صار أمانة في يده في التقاطه ويلزم تعريفه سواء أراد الملتقط تملكه
أو حفظه لصاحبه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب

ولم يفرق، ولأن حفظها لصاحبها إنما يفيد بوصولها إليه، ما يتلف إذ التقط وإن وجد خمرًا أراقها.
وإن وجد دخانًا أحرقه وإن وجد تلفزيونًا أو سينما أتلفهما لتحريمها، وإن وجد مذياعًا أتلفه.
وإن وجد صورًا مجسدة أو غير مجسدة من صور ذوات الأرواح أحرقها أو مزقها، وكذا إن وجد كاميرا وهي الآلة التي يصور بها فيتلفها.
وإن وجد بكما أو اسطوانات أغاني أتلفها، وكذا إن وجد تسجيل أغاني محرمة.
وإن وجد مجلات خليعة أو كتب بدع أو كتبًا تحتوي على صور ذوات الأرواح أتلفها.
وإن وجد الورقة التي يلعب بها أتلفها؛ لأن كل هذه من المحرمات الملهيات القاتلات للأوقات.
وإن وجد الشيش المعدة لشرب الدخان أتلفها.
وإن التقط دف صنوج أو آلة تنجيم أو آلة سحر أتلفهما.
ولا غرم في جميع ما تقدم؛ لعدم إباحتها وإن التقط رؤوسًا صناعية أتلفها.
وإن التقط طفايات الدخان أتلفها وجميع الملاهي وآلات الفساد لتحريمها، ولأن في التعريف لها نشر للفساد وفي إيصالها لأصحابها إعانة لأهل المعاصي، والله تعالى يقول: { وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } .
وطريقة التعريف على اللقطة النداء عليها بنفسه أو نائبه؛ لأن إمساكها من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها فلم يجز، ولأنه لو لم يجب التعريف لما جاز الإلتقاط؛ لأن بقاءها في مكانها إذًا أقرب إلى صاحبها إما بأن يطلبها في الموضع الذي ضاعت فيه فيجدها، وإما بأن يجدها من يعرفها

وأخذه لها يفوت الأمرين فيحرم فلما جاز الإلتقاط وجب التعريف كيلا يحصل الضرر ويعرفها فورًا لظاهر الأمر إذ مقتضاه الفور، ولأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها، فإذا عرفت إذًا كان أقرب إلى وصولها إليه وتعريفها يكون نهارًا؛ لأن النهار مجمع الناس وملتقاهم أول كل يوم قبل انشغالهم بمعاشهم أسبوعًا؛ لان الطلب فيه أكثر، ولأن توالي طلب صاحبها لها في كل يوم باعتبار غالب الناس أسبوعًا ثم مرة في كل أسبوع من شهر ثم مرة في كل شهر، وقيل: على العادة بالنداء، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، قال في «الإنصاف»: وهو الصواب، ويكون على الفور. اهـ. وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومدة التعريف حول كامل من وقت التقاطه روي عن عمرو وعلي وابن عباس؛ لحديث زيد بن خالد، فإنه - عليه الصلاة والسلام - أمره بعام؛ لأن السنة لا تتأخر عنها القوافل ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد من الحر والبرد والإعتدال فصلحت قدرًا كمدة أجل العنين.
وصفة التعريف بأن ينادي من ضاع منه شيء أو من ضاع منه نفقة ولا يصفها؛ لأنه لا يؤمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها فتضيع على مالكها.
ويكون مكان النداء بمجامع الناس غير المساجد، فلا تعرف فيها، بل في السوق عند اجتماع الناس في الأسواق وحمام وباب مسجد وعند أبواب المعاهد والجوامع والمدارس والثانويات والمتوسطات ونحو ذلك وقت صلاة؛ لأن المقصود إشاعة ذكرها، ويحصل ذلك عند اجتماع الناس للصلاة.
وكره النداء عليها في المسجد.
وقيل: يحرم النداء عليها في المسجد؛ لما روى جابر، قال: سمع رسول الله

- صلى الله عليه وسلم - رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لا وجدت».
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من سمع رجلاً ينشد في المسجد ضالة، فليقل: لا أداها الله إليك، فإن المساجد لم تبن لهذا».
وعن بريدة أن رجلاً نشد ضالة في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له»، وقد ورد النهي عن رفع الصوت في المسجد، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ويكثر تعريف اللقطة في موضع وجدت فيه؛ لأن مظنة طلبها ويكثر تعريفها في الوقت الذي يلي التقاطها؛ لأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها فالإكثار منه إذن أقرب إلى وصولها إليه. قال في «نهاية التدريب»:

ويلزم التعريف قدر عام

بالعرف لا في سائر الأيام

بموضع الوجدان والمجامع

كالطرق والأسواق والجوامع

وإن وجد لقطه في طريق غير مأتي فقيل لقطة، واختار الشيخ تقي الدين أنه كالركاز، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأنه أحوط، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإن التقطها بصحراء عرفها بأقرب البلاد إلى الصحراء التي وجدت فيها اللقطة؛ لأنها مظنة طلبها، وإن كان لا يرجى وجود رب اللقطة لم يجب تعرفها نظرًا إلى أنه كان كالعبث، وقيل: يجب تعريفها، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأن أحوط والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإن كانت دراهم أو دنانير ليست بصرة ولا نحوها، فقيل: يملكها بلا

تعريف، وقيل: أنه يجب النداء عليها، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأنه أحوط، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأجرة مناد على ملتقط؛ لأنه سبب في العمل فكانت الأجرة عليه كما لو اكترى شخصًا يقلع له مباحًا، ولأنه لو عرفها بنفسه لم يكن له عليه أجرة، فكذلك إذا استأجر عليه ولا يرجع بأجرة المنادي على رب اللقطة ولو قصد حفظها لمالكها؛ لأن التعريف واجب على الملتقط.
وقيل: ما لا يملك بالتعريف والذي يقصد حفظه لمالكه يرجع عليه بالأجرة.
وقيل: إن الأجرة من نفس اللقطة والقول الثاني هو الذي تميل إليه النفس والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإن أخر التعريف عن الحول الأول أثم وسقط أو أخره بعض الحول الأول لغير عذر أثم الملتقط بتأخيره التعريف لوجوبه فورًا وسقط التعريف؛ لأن حكمة التعريف لا تحصل بعد الحول الأول، فإذا تركه في بعض الحول عرف بقيته فقط ولم يملكها بالتعريف بعد حول التعريف؛ لأن شرط الملك التعريف فيه ولم يوجد، ولأن الظاهر أن التعريف بعد الحول لا فائدة فيه؛ لأن ربها بعده يسلو عنها ويترك طلبها.
وقيل: لا يسقط التعريف بتأخيره؛ لأنه واجب فلا يسقط بالتأخير عن الوقت الذي هو الحول الأول كالعبادات وسائر الواجبات، ولأن التعريف بالحول الثاني يحصل به المقصود على نوع من القصور فيجب الإتيان به؛ لقوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، فعلى هذا إن أخر التعريف نصف الحول أتى بالتعريف في بقيته وكمله من الحول الثاني، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس

وهو الأحوط، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وليس خوف الملتقط من سلطان جائر أن يأخذها منه عذر في ترك تعريفها، فإن أخر التعريف لذلك الخوف لم يملكها إلا بعد التعريف فمتى وجد أمنًا عرفها حولاً وملكها فيؤخذ منها أن تأخير التعريف للعذر لا يؤثر.
وكذا إذا ترك تعريفها في الحول الأول لعذر كمرض أو حبس ثم زال عذر نحو مرض وحبس ونسيان فعرفها بعد، فإنه يملكها بتعريفها حولاً بعد زوال العذر؛ لأنه لم يؤخر التعريف عن وقت إمكانه فأشبه ما لو عرفها في الحول الأول.
ومن وجد لقطة وعرفها حولاً فلم تعرف فيه وهي مما يجوز التقاطه دخلت في ملكه؛ لقوله - عليه الصلاة السلام - في حديث زيد بن خالد: «فإن لم تعرف فاستنفقها»، وفي لفظ: «وإلا فهي كسبيل مالك»، وفي لفظ: «ثم كلها»، وفي لفظ: «فانتفع بها»، وفي لفظ: «فشأنك بها» وتدخل في ملك الملتقط حكمًا كالميراث ملكًا مراعًا يزول بمجيء صاحبها.
ولو كانت اللقطة عرضًا أو حيوانًا فتملك كالأثمان؛ لعموم الأحاديث التي في اللقطة جميعها، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن اللقطة، فقال: «عرفها سنة» ثم قال في آخره: «فانتفع بها أو فشأنك بها»، وقيل: لا يملك إلا الأثمان، قال ناظم «المفردات»:

ملتقط الأثمان مذ عرفها ... حولاً فقهرًا ذا الغنى يملكها

والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما لقطة الحرم، فقيل: إنها كغيرها تملك بالتعريف حكمًا؛ لأنه أحد الحرمين فأشبه حرم المدينة، ولأنها أمانة فلم يختلف حكمها بالحل والحرم كالوديعة وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وابن المسيب، وهو

مذهب مالك وأبي حنيفة، وروي عن أحمد رواية أخرى أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتملك، وإنما يجوز حفظها لصاحبها، فإن التقطها عرفها أبدًا حتى يأتي صاحبها وهو قول عبد الرحمن بن مهدي، وأبي عبيد، وعن الشافعي كالمذهبين.
واحتج لهذا القول بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة: «لا تحل ساقطتها إلا لمنشد» متفق عليه، وقال أبو عبيد: المنشد المعرف، والناشد الطالب، وينشد: إصاخة الناشد للمنشد فيكون معناه لا تحل لقطة مكة إلا لمن يعرفها؛ لأنها خصصت بهذا من سائر البلدان، كما أنها باينت غيرها في تحريم صيدها وشجرها وتغليظًا لحرمتها، ولأن مكة لا يعود الخارج منها غالبًا إلا بعد حول أو أكثر إن عاد فلم ينتشر إنشادها في البلاد كلها، فلذلك وجب عليه مداومة تعريفها ولا فرق بين مكة وبين سائر الحرم لاستواء جميع ذلك في الحرمة.
وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لقطة الحاج، رواه مسلم.
قال ابن وهب: يعني يتركها حتى يجدها ربها، رواه أبو داود أيضًا، وأجاب أهل القول الأول عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إلا لمنشد» بأنه يحتمل أن يريد إلا لمن عرفها عامًا، وتخصيصها بذلك لتأكدها لا لتخصيصها، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : «ضالة المسلم حرق النار».
والقول الذي تطمئن إليه النفس قول من قال: إن لقطة الحرم لا تملك، وهو اختيار الشيخ وغيره من المتأخرين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال في «التيسير نظم التحرير»:

ورابع الأنواع لقطة الحرم

تعريفها على الدوام ملتزم

فليلتقط للحفظ أو ليترك

ولا يجوز الأخذ للتملك

وإن كان الملتقط وجد اللقطة بالجيش الذي هو معه فيبدأ بتعريفها في الجيش الذي هو فيه لاحتمال أن تكون لأحدهم، فإذا قفل أتم التعريف في دار الإسلام، فإذا لم تعرف ملكها كما يملكها في دار الإسلام، هذا إذا اشتبهت عليه وأما إذا ظن أنها من أموالهم فهي غنيمة له لا تحتاج إلى تعريف؛ لأن الظاهر أنها من أموالهم وأموالهم غنيمة.
قال في «الإنصاف»: قلت: وهذا هو الصواب، وكيف يعرف ذلك؟ وقيل: إن وجد لقطة بدار حرب وهو في الجيش عرفها سنة ابتدأ في الجيش وبقيتها في دار الإسلام ثم وضعها في المغنم، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإن كانت من متاع المشركين فيجعلها في الغنيمة، وإن شك فيها عرفها حولاً وجعلها في الغنيمة؛ لأنه وصل إليها بإرادة الله بقوة الجيش.
وإن دخل إلى دار حرب متلصصًا عرفها ثم هي كغنيمة ويحتمل أن تكون غنيمة له من غير تعريف، كما قاله الموفق، قال في «الإنصاف»: عن الإحتمال، قلت: وهو الصواب، وكيف يعرف ذلك؟ انتهى.
وتدخل في ملك الغني كالفقير؛ لأنها كالميراث ولا فرق في ذلك بين الغني والفقر والمسلم والكافر والعدل والفاسق.
وإن ضاعت اللقطة من واجدها بلا تفريط فالتقطها آخر فعرفها الملتقط الثاني مع علمه بالملتقط الأول ولم يعلم الثاني الأول باللقطة أو أعلم الثاني الأول وعرفها الثاني وقصد بتعريفها تملكها لنفسه فتدخل في ملك الثاني حكمًا بانقضاء الحول الذي عرفها فيه كما لو أذن له الأول أن يتملكها لنفسه؛ لأن سبب الملك وجد منه، والأول لم يملكها ولم يوجد منه

تعريف لا بنفسه ولا بنائبه، والتعريف هو سبب الملك والحكم ينتفي لانتفاء سببه.
فإن لم يعلم الملتقط الثاني بالملتقط الأول حتى عرفها حولاً كاملاً ملكها الثاني لعدم تعديه إذًا وليس للأول إنتزاعها منه؛ لأن الملك مقدم على حق التملك، وإذا جاء رب اللقطة أخذها من الثاني ولا يطالب الأول؛ لأنه لم يفرط وإن علم الثاني بالأول ردها للأول، فإن أبى الأول أخذها فهي للثاني؛ لأن الأول ترك حقه فسقط.
وإن قال الأول للثاني عرف اللقطة ويكون ملكها لي فعرفها الثاني فهو نائبه في التعريف ويملكها الأول؛ لأنه وكله في التعريف فصح كما لو كانت بيد الأول، وإن قال: عرفها وتكون بيننا، ففعل صح، وكانت بينهما؛ لأنه أسقط حقه من نصفها ووكله في الباقي.
وإن رأى لقطة أو لقيطًا وسبقه آخر إلى أخذه أو أخذها فللآخذ، فإن أمر أحدهما صاحبه بالأخذ فأخذ ونواه لنفسه فهي له، وإلا فللآمر إن صحح التوكيل في الإلتقاط والفرق بين الإلتقاط والإصطياد أن الإلتقاط يشتمل على أمانة واكتساب بخلاف الإصطياد ونحوه، فإنه محض اكتساب.
وإن غصبها غاصب من الملتقط وعرفها أو لم يعرفها لم يملكها؛ لأنه متعد بأخذها ولم يوجد منه سبب تملكها، فإن الإلتقاط من جملة السبب ولم يوجد منه بخلاف ما لو التقطها إثنان، فإنه وجد منه الإلتقاط وإن التقطها إثنان فعرفاها حولاً كاملاً ملكاها جميعًا.
وهل تدخل اللقطة في ملك الملتقط بعد مضي حول التعريف قهرًا عليه إلا أن يختار أن تكون أمانة أو أنه يملكها بعد مضي الحول باختيار التملك، فإن لم يختر التملك لم يملك، وعلى هذا القول، فإن اختار أحدهما دون الآخر

ملك المختار نصفها دون الآخر.

ومغصوب مال أن يضع فهو لقطة

ثلاثة أقسام يسير مزهد

كسوط وشسع والرغيف وتمرة

فيملك مجانًا بغير تنشد

فإن كان مما يرغب الناس عنه أن

تجد ربه فاردده عندي فقلد

ولم يقض بالرجعى لمالك سنبل الحصيد

وأثمار الجذاذ المبدد

ومحتمل ألا تعرف لقطة

إذا كان هذا الموجب القطع لليد

وعن أحمد قد جاء تعريف درهم

ودانق عين قيل عن ذكره حد

ومن يلتقط مالاً كثيرًا مفرقًا

يظن لقوم فاعتبر كل مفرد

وذات امتناع من صغار سباعها

بأنفسها من يلتقطها فمعتدي

بتعظيمها أو عدوها أو مطارها

أو الناب والشيء الثقيل كذا اعدد

وكالإبل الأبقار عند إمامنا

وأتن لضعف كالشياه بأجود

وإن خيف من مملوك صيد توحشا

يكن لقطة في الحكم للمتصيد

وزن قيمتي ممنوع تاو كتمته

ويبريك أن تدفعه للحاكم اليد

وما ردها فيء في الأقوى ولا ترد

لشهوة ذي بالوصف لكن بشهد

وآخذها غير الإمام لحفظها

ضمين سوى الخاشي عليها التوى قد

وغير الذي سقنا يجوز التقاطه

وتركه أولى على المتوطد

وقال أبو الخطاب إن كان واجدًا

بمضيعة فالأخذ أولى لمنشد

وإن لم يثق من نفسه بأمانة

ولا حسن تعريف كالغاصب أعدد

وقيل أن يعرفها هنا صار مالكًا

كأخذ الكلا من أرض شخص مصدد

ويضمن بالتفريط أهل التقاطها

ولو ردها في موضع الأخذ يعتدي

وواجدها إن ضاعت من الحرز مثل ذا

وإن يذره يلزم عطاها لمبتدي

وإلا ليملكها بتعريفها له

كذا إن يدر في الأردا وإن شركا طد

وما وجد الصياد أو من يبيعه

بحوت ولم يملك فللمتصيد

وإن يلق ذي في نحو شاة أو التقى

به أثر ملك فهو لقطة منشد

وفي ساحل البحران تجد نحو عنبر

بلا أثر ملك فهو ملك لوجد

ويملك صيدًا في شباك عدا بها

فلم يتعوق والشباك لينشد

وللناضب الآلات ما كان مثبتًا

بها وكذا ما كان ملكًا لذي يد

وفاقد نعل أو ثياب بمغسل

وجد دونها ما لم يشابه بمركد

فعنه تصدق به تعريفها بها

وقيل لذي المفقود حلل وجود

وقيل بل ادفعها لقاض يبيعها

ويقضيك لكن إن تزد لا تزيد

وإن يقترن منب بغلظة آخذ

تعرف وفيها بعد الأوجه أسند

وإن نازع السكان في الدار مالكًا

على الدفن فيها يعط واصفه قد

وكالشاة والفصلان والعجل جائز

الالتقاط في الأولى مع تخير وجد

على أكله في الحال أو بيعه أو احتياط

عليه إن أبى ربه أردد

وقولان في استرجاع إنفاق مشهد

نوى العود واللذ ما نوى العود فاصدد

وما كان كالبطيخ يخشى فساده

فكل ثم بع واضمنه إن تبق يفسد

وفي مذهب الجوزي عرفه دائمًا

إلى خشية الإتلاف فاختر كما ابتدي

وما كان من شيء بجف فكلما

لصاحبه كان الأحظ ليقصد

وقيمة مأكول عليك بأكله

وعز لكها لم تبر منها بل أنقد

فإن شئت تجفيفًا وأنفقت فارتجع

وإن بعت منه ثم أنفقت تحمد

وعنه يباع النزر من غير ذي بقا

وما كثر أرفعه لقاض مقلد

وغير الذي قدمت يلزم حفظه

وتعريف غير التافه المتبدد

عقيب التقاط الكل حولاً متابعًا

نهارًا بأرض الإلتقاط بمحشد

ويكثر من تعريفها وقت أخذها

وما بعد الأسبوع التوالي بموطد

وواجبه ما لا يعد بفعله الفتى

مهملاً في العرف دون تقيد

فإن أخر التعريف في الحول كله

وجب بعدو المنصوص إسقاطه أشهد

ووجهين في تأخير تعريف عاجز

عن الحول هل يعطى به بعد أسند

وقد قيل لا تعريف للشاة مطلقًا

لا طلاقة في الأخذ لما يقيد

وليس بمجد ملكها بعد ذلكم

وقولان في حفظ لها والتجود

وسيان ناوي حفظها وتملك

ولو نزرت في الحل والحرم أطد

وإن عرفت فالأجر خذ من معرف

ولم يعد في كل مال بأوطد

وقال أبو الخطاب أجرة ما نوى

به حفظه أو ليس يملك فأردد

ويذكر جنس في الندا دون وصفها

ويملك لا بالقصد بعد بأجود

ولا فرق بين العروض وغيرها

في الأولى لدى الإرشاد والشيخ قلد

وعن أحمد لا ملك في لقطة أتى

وعنه لى ملكًا له ذي تأيد

وعن أحمد الأثمان يملكها فقط

وكالشاة في الأولى وذا القول أكد

وقولان فيما ليس يملك هل له

التصدق مضمونًا عليه فأسند

وعن أحمد لا ملك في حرم إلا لملتقط

إن حاز دون تقيد